مسيلمة في سؤال وجواب

مسيلمة عليه الصلاة والسلام كان نبيا ورسولا حقيقيا ولم يكن كاذبا. 
حقيقةٌ مذهلةٌ طُمِسَت قهراً لعدة قرون، وقد حان الوقت لإعادة الإعتبار له ولقومه، ولفضح المجرمين والكذابين الحقيقيين الذين دشنوا مسلسل القتل والإرهاب المستمر من يوم الإعتداء عليه وعلى قومه إلى يومنا هذا.

السؤال :

وما أدراك ما الرحمن ؟

هل يوجد في القرآن الكريم ذكر لمسيلمة ؟

لماذا زعم بعضهم أن لفظة الرحمن لم تكن معروفة عند أهل مكة في الجاهلية ؟

هل سمى مسيلمة نفسه الرحمن أو رحمن اليمامة ؟

هل ارتد مسيلمة ؟

لماذا أحرق أبو بكر ما بحوزته من حديث ؟

لماذا لم يحذف (أو يغير) أبو بكر إسم الرحمن من القرآن الكريم ؟

لماذا قال أبو هريرة : وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ؟

هل كان الصحابة راضين بما فعله أبو بكر ؟

هل كان عمر بن الخطاب مؤيدا لأبي بكر في حروبه على بني حنيفة وغيرهم من مانعي "الزكاة"؟

وماذا عن مسؤولية قريش عامة ؟

من مؤسس الدولة الإسلامية الإرهابية ؟

 هل حقّاً وَصَفَ الرسولُ مسيلمةَ بالكذاب ؟

هل يوجد تشابه بين قرآن مسيلمة وقرآن محمد ص ؟

لماذا استمر معظم المسلمين في لعن مسيلمة واعتباره كذابا ؟

هل أكثر أبو هريرة ؟

هل ضاع من القرآن شيء ؟

يروى أن أبا بكر قد أعفى أهل بدر من المشاركة في الحرب على مسيلمة فهل هذا صحيح ؟

وماذا عن ما يسمى بحروب الردة ؟

هل استقبل الرسول مسيلمة وهل أشركه معه في الأمر ؟

وماذا عن "الآيات" التي ينسبونها إلى مسيلمة ؟

ماذا عن المراسلة المزعومة بين مسيلمة والرسول ؟

من أحق الناس بخلافة الرسول ؟






__________________

الجواب :

وما أدراك ما الرحمن ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

إسم الله "الرحمن" له مكانة خاصة في القرآن الكريم.  أما قريش فكانت لهم مشكلة مع هذا الإسم بالذات لأنهم كانوا يعتبرون الرحمن إلاها لجيرانهم بني حنيفة، وليس إسما من أسماء الله الحسنى. فكبرياؤهم واعتزازهم بأنفسهم لايسمح لهم بأن يغيروا دينهم ويعبدوا إلاه قوم آخر، ولا سيما أنهم كانوا يعلمون أن النبي ص كان على اتصال مع نبيهم مسيلمة. ولهذا كانت معارضتهم للرسول شديدة جدا، فكانوا يؤذونه ويعذبون أتباعه حتي بلغ بهم الأمر إلى التآمر على قتله مما اضطره إلى الهجرة.

يقول الدكتور جواد علي في كتابه : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام :


[... وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا }  ، أن مسيلمة كان يُدعى الرحمن . فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، اسجدوا للرحمن قالوا : أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة بالسجود له. أو أنهم قالوا : ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة . يعنون مسيلمة "الكذاب".]

وفي تفسير القرطبي لسورة الرحمن نجد:

[وقيل: نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر وهو رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله تعالى: "الرحمن. علم القرآن"].

وعن أصل كلمة "الرحمن" يقول صاحب المفصل:

[ولما أراد الملك "شرحبيل يعفر بن أبي كرب أسد" "ملك سباً وذو ريدان وحضرموت ويمنت و أعرابها في الجبال والسواحل" بناء السدّ، أمر بنقش تاريخ البناء على جداره. وقد عثر عليه، وإذا به يقول: إن العمل كان في سنة 564-565 الحميرية، وهذا يوافق عامي 449-450 من الأعوام الميلادية. وبعد ثماني سنوات من هذا التأريخ، أي في عام 457-458 من التأريخ الميلاديَ "572 - 573حميري"، وضع عبد كلال نصاً تاريخياً يذكر فيه أسم "الرحمن"، ولهذين النصين أهمية عظيمة جدا من الناحية الدينة. يذكر النص الأول "إله السماوات والأرضين"، ويذكر الثاني "الرحمن". وتظهر من هذه الإشارة فكرة التوحيد على لسان ملوك اليمن وزعمائها.
...

وأما عبادة "الرحمن" "رحمنن"، فهي عبادة توحيد، ظهرت من جزيرة العرب فيما بعد الميلاد. وقد وردت كلمة "رحمنن"، أي "الرحمن"، في نص يهودي كذلك وفي كتابات "ابرهة"، ووردت في نصوص عربية جنوبية أخرى وفي نصوص عثر عليها في أعالي الحجاز. وقد كان أهل مكة على علم بالرحمن، ولا شك، باتصالهم باليمن وباليهود. وإن ذكر علماء اللغة أو علماء التفسير أن اللفظة لم تكن معروفة عند أهل مكة في الجاهلية.
وقد جاء في النص اليهودي المذكور: "الرحمن الذي في السماء واسرائيل وإلهَ اسرائيل رب يهود". وقد حمل هذا النص بعض الباحثين على القول بأن العرب الجنوبيين قد أخذوا هذه الكلمة وفكرتهم عن الله من اليهودية، وان فكرة التوحيد هذه إنما ظهرت بتأثر اليهودية التي دخلت إلى اليمن. غير ان من الباحثين من رأى خلاف هذا الرأي. رأى ان افتتاح النص بذكر الرحمن، ثم اشارته بعد ذلك إلى إلهَ يهود، وورود كلمة "الرحمن" في نص آخر يعود إلى سنة "468" للميلاد. كتبه صاحبه شكراً للرحمن الذي ساعده في بناء بيته: كل هذه وأسباب أخرى، تناقض رأي القائلين بأن عقيدة الرحمن عقيدة اقتبست من اليهود.

وقد ذكر بعض علماء اللغة ان "الرحمن" اسم من أسماء الله مذكور في الكتُبِ الأُوَل، وأن اللفظة عبرانية الأصل، وأما "الرحيم" فعربية. وذكروا ان "الرحمن" اسم مخصص باللَه، لا يجوز أن يسمى به غيره. وقد أنشدوا للشنفرى أو لبعض الجاهلية الجهلاء: ألا ضربت تلك الفتاة هجينهـا  ألا قضب الرحمن ربي يمينها.
فيظهر من هذا البيت أن الشاعر كان يدين بعبادة الرحمن. ونجد مثل هذه العقيدة في قول سلامة بن جندل الطهويّ: عجلتم علينا عجلتينا عليكـم  ومايشأ الرحمن يعقد ويطلق.
فإن ذلك يعني أن قوماً من الجاهليين كانوا يدينون بعبادة "الرحمن". ومما يؤيد هذا الرأي ما ورد من أن بعض أهل الجاهلية سموا أبناءهم عبد الرحمن، وذكروا أن "عامر بن عتوارة" سمى ابنه "عبد الرحمَن".
وقد وردت لفظة "الرحمن" في شعر ينسب إلى "حاتم الطائي" هو: كلوا اليوم من رزق الإلهَ وأيسروا  وإن على الرحمان رزقكم غـداَ.
وحاتم من المتألهة، ويعده البعض من النصارى و "الرحمن" نعت من نعوت الله في النصرانية، من أصل "رحمونو"، Rahmono، فهل عبر شاعرنا بهذه اللفظة عن هذا المعنى النصراني ؟

ويرى المستشرقون ان عبادة "الرحمن" "رحمنن"، إنما ظهرت بين الجاهليين بتأثير دخول اليهودية والنصرانية بينهم.

وقد ذكر "اليعقوبي" أن تلبية "قيس عيلان"، كانت على هذا النحو: "لبيك اللهم لبيك، لبيك أنت الرحمان، أتتك قيس عيلان،....


...  وأرى أن "مسيلمة" كان قد دعا إلى عبادة الرحمن متأثراً بدعوة المتعبدين له ممن كان قبله على ما يظهر، وهي عبادة إلهٍ اسمه "الرحمن" فعرف مسيلمة ب "الرحمن" وب "رحمن اليمامة". وعبادة الرحمن ديانة متأزرة بفكرة التوحيد، وبوجود إله واحد هو "الرحمن" رب العالمين..


ويظهر من غربلة ما ذكره أهل الأخبار عن "مسيلمة" أنه كان أكبر عمرا من الرسول. وأنه كان قد تكهن وتنبأ باليمامهّ ووجد له أتباعا قبل نزول الوحي على النبي. ]

في سيرة بن هشام:

 ]زعماء قريش تفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم

اجتمع عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ، والنضر ابن الحارث بن كلدة ، أخو بني عبد الدار ، وأبو البختري بن هشام ، والأسود بن المطلب بن أسد ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية ، والعاص بن وائل ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان ، وأمية بن خلف ، أو من اجتمع منهم ‏‏.‏‏...

قال ‏‏:‏‏ اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه ،
 فبعثوا إليه ‏‏:‏‏ إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، فأتهم ؛ فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا.
فقالوا له ‏‏:‏‏ يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وشتمت الآلهة ، وسفهت الأحلام ، وفرقت الجماعة...
إلى أن قالوا:


إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له ‏‏:‏‏ الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا ، فقد أعذرنا إليك يا محمد ، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك ، أو تهلكنا. ...]


هل يوجد في القرآن الكريم ذكر لمسيلمة ؟

مسيلمة غير مذكور بإسمه لفظيا في القرآن الكريم، لكنه سبب نزول سورة الرحمن بأكملها وسبب نزول آيات قرآنية أخرى. منها

:الفرقان 59 -63 :

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا.

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا.

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا.

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا.

(الجاهلون هم الذين يجهلون بأن الرحمن هو إسم من أسماء الله الحسني وليس إلها خاصا بقوم معين دون غيرهم.  الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا، أي اسأل عنه العارفين، مِثلُ ذلك قوله في الزخرف 45) :


الزخرف 45 :

وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ

الرعد 30 :

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ، قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ.

   
الإسراء 110 : 

قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى.


سورة الأنبياء 36 :

وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ.


البقرة 163 :

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

طه 1 :


طه

مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى
تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى


الأعراف 180 :


وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.



الحشر 22 :


هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ


هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.


هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

لماذا زعم بعضهم أن لفظة الرحمن لم تكن معروفة عند أهل مكة في الجاهلية ؟


إنما يحاولون أن يجدوا عذرا لقريش: يريدون أن يدفعوا الناس للإعتقاد بأن قريشا لم يرفضوا رسالة النبي بسبب العصبية ولكن فقط لأنهم كانوا لا يعرفون معنى الرحمن، ثم قبلوا به لما فهموا أن الرحمن إسم من أسماء الله الحسنى، وليس مكرهين لانهزامهم أمام الرسول وأصحابه.


ورد في تفسير بن كثير :

وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى ردّ الله عليهم ذلك بقوله: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى. ولهذا قال كفّار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعلي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري. وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة.
وقال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [ الفرقان:60 ] .
والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جُحود وعناد وتعنت في كفرهم؛ فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن، قال ابن جرير: وقد أنشد لبعض الجاهلية الجُهَّال :
ألا ضَـرَبَتْ تلك الفتـاةُ هَجِينَها *  *  *  ألا قَـضَبَ الرحمنُ رَبى يمينـها

وقال سلامة بن جندب الطهوي:

عَجِلـتم علينا عَجْلَتينَـا عليكُمُ  *  *  * ومـا يَشَأ الرّحْمَن يَعْقِد ويُطْلِـقِ



هل سمى مسيلمة نفسه "الرحمن" أو "رحمن اليمامة" ؟

إسمه مسلمة بن حبيب الحنفي، كان يدعوا إلى عبادة الله الواحد باسمه الرحمن وكان يتلقى الوحي ويعتبر نفسه رسولا من الرحمن فهل يعقل إذن أن يسمي نفسه الرحمن أو رحمن اليمامة ؟
إنما هي قريش سمته كذلك نسبة لإله لا تعترف به كما سمته بعد وفاة الرسول ص بمسيلمة الكذاب لتبرير الإعتداء عليه.

هل ارتد مسيلمة ؟

يقول العلامة الدكتور جواد علي في المفصل :


[هذا ولم أجد في الأخبار المتعلقة بمسيلمة خبرا يفيد صراحة أن مسيلمة كان قد اعتنق الإسلام ودخل فيه. فالأخبار التي تتحدث عن مجيئه إلى يثرب لا تشير إلى ذلك، والأخبار الأخرى التي تتحدث عنه وهو في اليمامة لا تشير إلى قبوله الإسلام كذلك، بل نجد فيها كلها أنه ظل يرى نفسه نبيا مرسلا من "الرحمن" وصاحب رسالة، لذلك فليس من الصواب أن نقول: "ردة مسيلمة"، أو "ارتداد مسيلمة"، أو نحو ذلك، لأنه لم يعتنق الإسلام ثم ارتد عنه، حتى ننعته بالمرتد.]

ويقول:


[وأنا لا أستبعد ما نسب إلى "مسيلمة" من دعوى نزول الوحي عليه، وتسمية ذلك الوحي "قرآنا" أو كتابا أو سفراً، أو شيئاً آخر،...]

لماذا أحرق أبو بكر ما بحوزته من حديث ؟

خلافا لما يعتقده الشيعة فإن أشد ما كان يخشاه أبو بكر هو مسيلمة، وليس آل البيت، فمسيلمة، "رحمن اليمامة" الذي كفرت به قريش في بداية الرسالة وثارت في وجه الرسول بسببه، ها هو الآن رسول يستقبل الوحي بعد وفاة الرسول ص، وبما أن الرسول قد اعتبره شريكا له في نفس الرسالة فإن القرآن سيستمر في النزول على مسيلمة وسيقصده الناس من كل فج عميق ليسألوه عن أمور دينهم ودنياهم وليتبركوا به ويَحضَوا بصحبته، وما على الجميع الآن إلا أن يطيعوه ويقبلوا به كإمام لهم، وهذا أمر لا يمكن لقريش أن تقبل به أبدا، لأن قبوله سيُؤوَّل على أنه اعتراف بِسُمو بني حنيفة عليهم، وسيرفع من قدر مسيلمة إلى درجة الرسول الأعظم الذي به ابتدأت الرسالة وبه ستنتهي. لا بد إذن من إتلاف أي حديث فيه إشارة إلى مسيلمة. ولا سيما أن أبا بكر عازم كل العزم على التخلص منه  ومحو كل أثر لقرآنه وتراثه، وليس له أي خيار غير هذا إذا أراد أن يحتفظ لقريش بما حققته في حياة الرسول من جاه وسؤدد وما حصلت عليه من موارد مالية مهمة.
تصور لو لم يحرق أبوبكر الخمسمائة حديثا واطلع عليها الناس وكان من بينها اثنان أو ثلاثة فقط تعترف بنبوة مسيلمة واشتراكه مع الرسول في الرسالة فهل كان سيتجرأ على محاربة مسيلمة ؟

لا شك أن الأحاديث التي أحرقها أبو بكر كانت تتضمن أشياء ذات أهمية قصوى بالنسبة لمستقبل الإسلام، من المحتمل جدا أن يكون من بين هذه الأحاديث معاهدة أو تحالف بين الرسولين الأكرمين محمد ومسيلمة عليهما الصلاة والسلام.  فإحراق أبي بكر للأحاديث جعل رسالة الإسلام تنحرف عن مسارها الطبيعي، ودشن عهد الإرهاب الذي تفشى منذ ذلك الحين بين المسلمين إلى يومنا هذا.

ورد عن عائشة أنَّها قالت:


 [ جَمَع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.

 قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
 فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك. فجئته بها، فدعا بنار فحرقها. فقلت: لِمَ أحرقتها؟
 قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك.]

جواب أبي بكر لابنته، إذا كان فعلا على هذا النحو، فهو غير مقنع بالمرة، لأنه كان بإمكانه الإحتفاظ بالأحاديث التي سمعها هو بنفسه من رسول الله.


 قال الذهبي في ترجمة أبي بكر : إن الصديق - يعني أبا بكر - قد جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : [ إنكم تحدثون عن رسول الله ( ص ) أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله ، وحرموا حرامه].


واضح أن الخليفة استعمل سلطته لمنع الناس من الحديث عن رسول الله، والمراد عنده أن لا يتحدث الناس عن مسيلمة ص وعلاقته بالرسول، ولكن لا يمكنه أن يخصص حتى لا يفضح نفسه. ولهذا كان لزاما عليه أن يبدأ بنفسه ويتلف جميع الأحاديث التي بحوزته.

لماذا لم يحذف (أو يغير) أبو بكر إسم الرحمن من القرآن الكريم ؟

بما أن أبا بكر كان خليفة وكان مشرفا على عملية جمع القرآن فلماذا لم يغير أو يحذف الآيات التي ذكر فيها إسم الرحمن ؟ كأن يبدل إسم الرحمن بإسم الله مثلا.
لا يستطيع، لأن "الرحمن" مذكورفي القرآن عدة مرات  [44 مرة من غير البسملة] وهو مذكور في سورة الفاتحة، وعليه بنيت سورة الرحمن. ولا داعي لحذف إسم الرحمن فقريش قد تعودت عليه كإسم من أسماء الله الحسنى ولم يعد ذكره يزعجهم فقد زالت عنهم عقدة ارتباطه بمسيلمة وقومه، ولكن موت الرسول ص قبل مسيلمة أحدث مفاجأة غير سارة بالنسبة لأبي بكر وأمثاله، وأصبحوا على يقين بأنهم إن لم يتخلصوا من "رحمن اليمامة" فإن الأمر سيؤول إليه لا محالة.

لماذا قال أبو هريرة : وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ؟

في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال : 

حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ.


و رُوِيَ عن أبي هريرة أنه كان يقول : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه.

لو كان أمر أبي بكر سليما لكان أبو هريرة مطمئنا ولما خشي هلى نفسه من شيء.

الأحاديث التي كان أبو هريرة ممنوعا منعا كليا من التصريح بها تخص علاقة الرسول مع مسيلمة واشتراكه معه في أمر الرسالة والآيات التي كانت مشتركة بين قرآن مسيلمة وقرآن الرسول.  رُوي عن أبي هريرة أنه قال :  لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدقتموني.  لا شك أن قول أبي هريرة هذا جاء بعد مقتل مسيلمة، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله. أما الإمام الذي أشار إليه أبو هريرة فهو مسيلمة ص بكل تأكيد، خلافا لما يعتقد الشيعة، لأنه كان مشتركا مع الرسول في النبوة. 

هل كان الصحابة راضين بما فعله أبو بكر ؟

قال ابن كثير:

[وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قُبِض ارتد عامة العرب إلاَّ أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس ، ومنع بعضهم الزكاة ، وهَـمَّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فَكَرِه ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عمر رضي الله عنه كيف نُقَاتِل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمِرْت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عَصَم مِنِّي ماله ونفسه إلاَّ بِحَقِّه وحِسَابُه على الله عز وجل ؟ فقال أبو بكر والله لأقاتلن مَن فَرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها .قال أنس بن مالك رضي الله عنه كَرِهَت الصحابة قتال مانعي الزكاة ، وقالوا أهل القبلة ، فَتَقَلَّد أبو بكر سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بُدًّا من الخروج على أثره.]

وقال ابن كثير في البداية والنهاية :

[وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة و يمنعون من أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق و قد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم و ما هم عليه من منع الزكاة و يتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ثم هم بعد ذلك يزكون ، فامتنع الصديق من ذلك و أباه .وورد في الأخبار أيضا أن أبا بكر كان يقاتل الناس على ترك أداء الزكاة إليه وإن كانوا معترفين بوجوبهاقالوا نزكي ولا نؤديها إليك فقال لا والله حتى آخذها كما أخذها رسول الله.]

ملاحظة: قول بن كثير [ارتد عامة العرب... ] غير صحيح، لأنه قال بعد ذلك: [وقال عمر رضي الله عنه كيف نُقَاتِل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمِرْت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ...] وقال أيضا: [وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ...].


هل كان عمر بن الخطاب مؤيدا لأبي بكر في حروبه على بني حنيفة وغيرهم من مانعي "الزكاة"؟


قول عمر بن الخطاب : [ كيف نُقَاتِل الناس ، وقد قال رسول الله ...] وقوله بأن خلافة أبي بكر إنما كانت فلتة، يدل على أنه كان معارضا لأبي بكر.


ورد في كتاب الخلفاء للسيوطي :

أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال :

لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد من ارتد من العرب وقالوا : نصلي و لا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت : يا خليفة رسول الله تألّف الناس و ارفق ﺑﻬم فإﻧﻬم بمنزلة الوحش فقال : رجوت نصرتك و جئتني بخذلانك، جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام، بماذا بشعر عسيت أن أتألفهم مفتعل ؟ أو بسحر مفترى ؟ هيهات هيهات، مضى النبي صلى الله عليه و سلم وانقطع الوحي و الله لأجاهدﻧﻬم ما استمسك السيف في يدي و إن منعوني عقالا.

  قال عمر : فوجدته في ذلك أمضى مني و أحزم و آدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم.

الجزء الأخير من هذا الحديث من تأليف أتباع أبي بكر لأنه يناقض قول عمر بأن خلافة أبي بكر كانت فلتة.

وماذا عن مسؤولية قريش عامة ؟

هل يجوز أن نحمل عامة قريش مسؤولية وإثم مقتل مسيلمة ؟

كثير من الصحابة كانوا مؤمنين بصدق وعن حسن نية برسالة النبي ص ولم ينخرطوا مع أبي بكر في محاربة مسيلمة، لعلمهم بأن ذلك باطل وحرام، وكان ذلك من أهم الأسباب التي جعلت أبا بكر يجد صعوبة كبيرة في التغلب على بني حنيفة، لا يجب إذن أن نحمل مسؤولية محاربة وقتل مسيلمة واصحابه إلى عامة قريش، المسؤولية والإثم في ذلك لا يتحمله إلا المجرمان أبوبكر وخالد بن الوليد وعصابتهما.

من مؤسس الدولة الإسلامية الإرهابية ؟

الجواب واضح : أبو بكر وحده،  وأعانه على ذلك مجرموا الحرب الذين لا يهمهم إلا الغنائم، أما رسول الله ص وصحابته بما فيهم عمر فهم بريئون من ذلك.
    
 هل حقّاً وَصَفَ الرسولُ مسيلمةَ بالكذاب ؟

الآيات التي تشير إلى الجدال الدائر بين القرشيين وبين النبي حول مسيلمة "رحمن اليمامة" تدل على أن الرسول لم يعتبر قط مسيلمة كذابا، لو لم يكن مسيلمة حقا نبيا لصرح الرسول بذلك منذ بدايات الوحي ولانتهى الأمر. كل حديث يزعم أن الرسول وصف مسيلمة بالكذاب هو بكل تأكيد من صناعة عصابة أبي بكر والتابعين لهم.
   
هل يوجد تشابه بين قرآن مسيلمة وقرآن محمد ص ؟

لا شك أن أرواح الوحي عند مسيلمة وعند الرسول كانوا على اتصال فيما بينهم غير أن عملية الوحي ابتدأت عند مسيلمة، وما شرع الروح الأمين بوحي القرآن على الرسول إلا بعد مدة.

ومما يدل على تداخل الوحي عند الإثنين شهادة الرحال بن عنفوة:

[وشهد "الرحال بن عنفوة" أن رسول الله أشركه، أي أشرك مسيلمة، في الأمر، فتبعه الناس. وكان "الرحال" قد تعلم سورا من القرآن، فنسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن،...].

لا أعتقد أن الرحال كان كاذبا: إذا كان ينسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن فإن ذلك يعني أن بعضا من الآيات القرآنية كانت قد نزلت على مسيلمة عليه السلام قبل أن يوحى بها أو بمثلها إلى الرسول ص.
والرحال كان يعرف ذلك حق المعرفة فهو كان يؤمن بنبوتهما معا وبأنهما كانا مشتركين في نفس الرسالة.
وقد شهد له التاريخ بالتقوى والاستقامة:

في المفصل عن الرحال بن عنفوة:

[وهو من وجوه "بني حنيفة" واسمه "نهار"، وكان في الوفد الذي جاء إلى الرسول، وقد اختلف إلى " أُبَي بن كعب" ليتعلم منه القرآن،...، وقد تعلّم سورة البقرة وسُوَرا من القرآن.].

[وذُكر أنه كان على غاية من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير، ثم انقلب على عقبيه وصار من أشد أعوان مسيلمة المقربين له، فشهد له أن الرسول أشركه معه في الأمر. وكان أحد وفد "بني حنيفة" إلى رسول الله،...]...

[وكان معه نهار الرجال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه معلمًا لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أنه سمع محمدًا، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه قد أُشرِك معه، فصدقوه واستجابوا له، وأمروه بمكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه، فكان نهار الرجال بن عنفوة لا يقول شيئًا إلا تابعه عليه، وكان ينتهي إلى أمره، وكان الذي يؤذن له: عبد الله بن النواحة، وكان الذي يُقيم له "حجير بن عمير"،...]
قال:
[وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة].
هذا بطبيعة الحال كذب وبهتان وتحريف للحقائق. فالرجل كان متشبثا بالحق مدافعا عنه باستماتة حتى قتل شهيدا.

ونسبوا إلى مسيلمة آيات منها:

[والشمس وضحاها، في ضوئها ومجلاها. والليل إذا دعاها، يطلبها ليغشاها، فأدركها حتى أتاها، وأطفأ نورها فمحاها.]
ومنها:
[سبح اسم ربك الأعلى، الذي يسر على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى من بين أحشاء ومعى، فمنهم من يموت ويدس في الثرى، ومنهم من يعيش ويبقى إلى أجل ومنتهى، والله يعلم السرّ وأخفى، ولا تخفى عليه الآخرة والأولى].

 ومنها أيضا:

[اذكروا نعمة الله عليكم واشكروها؛ إذ جعل لكم الشمس سراجاً، والغيث ثجاجاً، وجعل لكم كباشًا ونعاجاً، وفضة وزجاجاً، وذهبا وديباجاً، ومن نعمته عليكم ان أخرج لكم من الأرض رماناً، وعنباً، وريحاناً، وحنطة و زؤانًا].

بالرغم من تحريفهم لكلامه يبدوا جليا أن الوحي كان يأتي لمسيلمة بآيات لا تقل جودة عن آيات القرآن الكريم. أما تشابه آياته مع آيات القرآن الكريم فراجع إلى كونهما يستقبلان الوحي من ملائكة على اتصال فيما بينهم. ومن الراجح جدا أن تكون الصيغة الأصلية لهذه الآيات قد نزلت على مسيلمة قبل أن ينزل مثلها على الرسول ص لأن الوحي بدأ بمسيلمة كما ذكرنا.

في القرآن الكريم:

ألَمْ نَجْعَلِ الأَرْض مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا، وَخَلَقْنَاكُم أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشًا، وَبَنَيْنَا فَوْقَكُم سَبْعًا شِدَادًا، وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا، لِنُخْرِج بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا.

وفي خبر متواتر:

[كان مؤذن مسيلمة يقول: أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله، وكانوا يجعلون محمدا ومسيلمة سواء]. وفي هذا دلالة ضمنية على العهد الذي كان بين الرسول ومسيلمة. 


لماذا استمر معظم المسلمين في لعن مسيلمة واعتباره كذابا، هل غابت عنهم الحقائق التي ذكرناها ؟

المسلمون الأولون قبل وفاة الرسول وفي بداية عهد أبي بكر كانوا يعرفون حقيقة مسيلمة ونبوته )في قومه(، ولم يكونوا يعتبرونه كذابا، وأبو بكر نفسه لم يكن يعتبر مسيلمة كافرا مرتدا ولا كاذبا، وإنما حاربه من أجل احتفاظ قومه قريش بالمكتسبات التي حصلت عليها قبل وفاة الرسول من سلطة ومال وهيمنة على قبائل الجزيرة العربية ولأنه كان يرى في نبوته خطرا كبيرا بالنسبة له ولقريش. وبعد مقتل مسيلمة مَنع أبو بكر وعصابته الناس من الخوض في قضيته كما صرح بذلك أبو هريرة في حديث البلعوم. وأشاعوا أنه إنما كان كذابا حتى أصبح الخبر متواترا ومن قبيل المسلمات. وجاءت الفتوحات الإسلامية فانشغل الناس بحروبهم ومصالحهم وغنائمهم ونسوا مسيلمة، وصدقوا إشاعة كذبه، تبعا لقادتهم غريزيا من غير تفكير في الموضوع، وكل من أدرك حقيقته أو حدثته نفسه بشيء فإنه يلتزم الصمت إما خوفا على حياته أو تعصبا لقريش، أو حفظا على فوائد حصل عليها. واستمر الأمر هكذا قرنا بعد قرن إلى يومنا هذا. ولكن الحقيقة لا بد أن تظهر يوما ما ولا بد من رد الإعتبار إلى مسيلمة وقومه ومحاربة كل من يدعوا إلى الخلافة على منهاج الإرهابي الأول أبي بكر وعصابته.

هل أكثر أبو هريرة ؟

 قد يكون أكثرَ من الحديث شيئا ما، لأنه كان ملازما للرسول، على ما يبدوا، وكان يروي كل ما سمعه منه، خلافا لأبي بكر الذي أحرق خمسمائة حديثا. إكثار أبي هريرة للحديث سهل المأمورية على المزورين، الذين يؤلفون من الأحاديث العجيبة ما شاؤوا ثم يأتون باسم أبي هريرة أو أحد من الصحابة الثقاة للتوقيع عليه. ورغم التزوير فإن أبا هريرة لعب دورا كبيرا في فهم بدايات الإسلام، لولا حديث البلعوم وحديث الكيس مثلا، لما علمنا بأن الكثير من الحقائق قد طمست وأخفيت عن الناس بعد وفاة الرسول وأن السنة التي بين أيدينا الآن قد تلاعب بها عدو الله أبو بكر ومن سار على نهجه تلاعبا خطيرا نتج عنه الكثير من القتل والإرهاب إلى يومنا هذا.

هل ضاع من القرآن شيء ؟

ليس من مصلحة أبي بكر أن يتلف القرآن بعد وفاة الرسول، بل من مصلحته أن يجمعه في مصحف واحد حتى يكتسب شرعية دينية ويقطع الطريق أمام النبيئين أمثال مسيلمة والعنسي وغيرهم، ولكن إذا كان في القرآن ما يقر بنبوءة مسيلمة  فليس من مصلحته الإحتفاظ به ولا سيما أنه كان ينوي التخلص من مسيلمة وقرآنه. ونظرا للغموض الذي صاحب عمليات جمع القرآن في مصحف واحد بعد وفاة الرسول ونظرا لكون هذه العمليات كانت في بدايتها تحت إشراف أبي بكر وعصابته، فإنه من المحتمل جدا أن يكون قد ضاع منه الشيء الكثير. القرآن نفسه يقول: ما ننسخ من آية أو ننسها نات بخير منها أو مثلها، وهذا يدل على أن بعض الآيات قد تكون ضاعت في حياة الرسول فبالأحرى بعد وفاته. فخطاب القرآن الكريم بناسخه ومنسوخه خاص بقوم الرسول وبزمانه كما ذكرنا.

يروى أن أبا بكر قد أعفى أهل بدر من المشاركة في الحرب على مسيلمة فهل هذا صحيح ؟

ذكروا أن أبا بكر كان يقول‏:‏ [لا أستعمل أهل بدر، أدعهم حتى يلقوا الله بصالح أعمالهم، فإن الله يدفع بهم وبالصالحين أكثر مما ينتصر بهم‏.‏]

لا أعتقد أنه قد أعفاهم من حرب لم ينتصر فيها إلا بمشقة كبيرة وإنما هم من رفضوا المشاركة لعلمهم بعدم عدالة قضيته.

وماذا عن ما يسمى بحروب الردة ؟
     
أبو بكر كان يقاتل القبائل من أجل ان يدفعوا الزكاة له خصيصا، بالرغم من أن أوطانهم بعيدة عن قريش. ما معنى أن يدفعوا الزكاة لقريش عوض أن يدفعوها للفقراء واليتامى والمساكين من قومهم، أبو بكر كان يحارب الناس صراحة من أجل "الجزية" (التي سماها بالزكاة) مع أنهم لم يرتدوا، خلافا لما أشيع فيما بعد للتغطية على جرائمه وجرائم خالد بن الوليد. خطة أبي بكر تتلخص في نقطتين : القضاء على النبيئين لاحتكار الشرعية الدينية، وجمع الزكوات من أجل تسليح الجيش لغزو الشعوب الأخرى عربا وعجما لتوسيع امبراطوريته.

هل استقبل الرسول مسيلمة وهل أشركه معه في الأمر ؟

نعم، بكل تأكيد.


في تاريخ الطبري :

 [حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله جالس في أصحابه ومعه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك].

[حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة قال كان حديث مسيلمة على غير هذا زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وركابنا يحفظهما لنا قال فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم وقال أما إنه ليس بشركم مكانا يحفظ ضيعة أصحابه وذلك الذي يريد رسول الله قال ثم انصرفوا عن رسول الله وجاءوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله فلما انتهى إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إني قد أشركت في الأمر معه وقال لوفده ألم يقل لكم رسول الله حيث ذكرتموني أما إنه ليس بشركم مكانا ما ذلك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت معه ثم جعل يسجع السجعات ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك فشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نبي فأصفقت بنو حنيفة على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان.]

حديثان متناقضان لنفس الرواة، في الحديث الأول استقبل الرسول مسيلمة ودار بينهما حديث، وفي الثاني لم يجتمع معه.
الحديث الأول مرفوع إلى "بعض علمائنا من أهل المدينة"، مدينة الخيال!
الحديث الثاني مرفوع إلى شيخ نكرة من عالم الخيال!
وفي الأخير يقول الطبري : "فالله أعلم أي ذلك كان". انتهى إذن كل شيء.
 ولنا ملاحظات :


في الحديث الأول: 

أحضروه" ليكذبوا على الرسول ص الكذبة العظمى. قالوا بأن مسيلمة كَلَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك. يريدوننا أن نصدق أن مسيلمة طلب من الرسول أن يشركه في الأمر فرفض. والحقيقة أن مسيلمة كان مشتركا بالفعل مع الرسول في النبوءة منذ بداية البعثة، وكانت بينهما مودة كبيرة، ولما جاء مسيلمة بوفده استقبله الرسول ص بحفاوة كبيرة كإمام لبني حنيفة وأَقَرَّ بني حنيفة وإمامهم على ما هم عليه وسلم لهم أمرهم دينيا ودنيويا. مستحيل بأن يغدر محمد ص بمن كان شريكا معه روحانيا في النبوءة والذي بسببه نزلت سورة الرحمن علم القرآن، وآيات عديدة أخرى من القرآن الكريم. وقد ذكروا أن مؤذن مسيلمة كان يقول: أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولَا الله، وكانوا يجعلون محمدا ومسيلمة سواء. وهذا يدل على الإنسجام التام الذي كان بينهما.

في الحديث الثاني:

 سيد القوم قطع المسافة كلها ولم يحضر ليبايع الرسول ص، بل بقى مع البهائم. جاء معهم من أجل حراسة أمتعتهم فقط. لم يجدوا من يحرس لهم أمتعتهم ويعتني بالبهائم إلا سيد القوم، تحقير آخر ومحاولة أخرى لإنكار اشتراكه مع الرسول ص في رسالة واحدة، قالوا "إنا قد خلفنا صاحبا لنا"  فحطوه من مرتبة سيد القوم وقائدهم إلى مرتبة أحد الأصحاب، أي نكرة، الروايات الملفقة يفضح بعضها بعضا، هل يعقل أن يأتي سيد القوم مع وفده قاطعا المسافات من أجل لقاء الرسول وبيعته على الحكم ثم يتجنب أن يلتقي به ؟ لو كان ينوي عدم المبايعة لما جاء مع الوفد ولوجد له عذرا كالمرض أو كبر السن، فقد كان شيخا مسنا، أنظر كيف يفضح التاريخ الظالمين بلسانهم. في كلتا الروايتين لم يستطيعوا أن ينكروا مجيئه، لأن قدومه مع الوفد كان أمرا مشهورا لا يمكن نفيه.
في "صحيح" البخاري :
[حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين : حدثنا رافع بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
 قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقَدِمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت.]
  من يكون أبو اليمان، ومن شعيب ومن عبد الله بن أبي حسين ومن نافع بن جبير؟ كل هؤلاء حدثوا أو أخبروا ولم يكتبوا شيئا، ثم رفع الإسناد لابن عباس من أجل التوقيع عليه، الحديث كذب في كذب، وإن لم تصدقني فاسأل ذاكرتك.
 إقرأ الحديث مرة أخرى ثم ضعه جانبا وحاول أن تستظهره، لن تستطيع، فما بالك بمرور السنين الطويلة، وهل الناس حريصون على حفظ كل هذه الأحاديث الطويلة التي رويت؟ هذا غير معقول، حتى وإن لم يكن لهم شغل آخر غير الحفظ. لو كانوا فعلا حريصين على الحديث لهذه الدرجة لما تخلفوا عن كتابته.

وماذا عن "الآيات" التي ينسبونها إلى مسيلمة ؟

لا داعي للتعليق على "الآيات" التي تنسب إليه، فهي بالطبع من تأليف أعدائه للتحقير من شأنه، وهل ينتظر منهم غير ذلك؟ إذا أراد القاضي أن يحكم فلا بد له من الإستماع إلى الطرفين. والقاضي في هذه الحالة هو الخصم. قرآن مسيلمة الحقيقي أتلفوه ومحوا أثره، لكن بعضا من آياته أضيفت إلى القرآن الكريم وحياً في عهد الرسول ص لاشتراكهما في النبوءة.  من المفيد أن تنجز بعض الحفريات في الأماكن التي كان يعيش فيها مسيلمة وقومه علنا نجد خزنة فيها شيء من قرآن مسيلمة الحقيقي أخفاها أحد المؤمنين به.

ماذا عن المراسلة المزعومة بين مسيلمة والرسول ؟

كذب واختلاق مفضوح من تأليف عصابة أبي بكر والتابعين لهم بالإجرام. الغرض من ورائه واضح.

من أحق الناس بخلافة الرسول ؟

أحق الناس بخلافة الرسول في النبوءة والرسالة هو مسيلمة بالطبع، لكن النبوءة شيء، والحكم والسياسة شيء آخر، مسألة اختصاص، وهذا ما يستعصي فهمه على الكثير من الناس. وبما أن الرسول ص لم يعين أحدا كخليفة له في الحكم فإن الأمر يجب أن يكون شورى بينهم، أي ديموقراطيا. قال عمر بن الخطاب ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، أي أنهم تسرعوا في بيعة أبي بكر فأخطؤوا الإختيار. فكانت النتائج وخيمة وكارثية إلى يومنا هذا.







____________________________
من نسخة أصلية في نفس الموضوع بتاريخ
27 يناير 2010




___________________
نسخة معدلة في :